أخبار وطنية كيـف ستجـابـه تـونـس خـطــر 500 مقــاتــل عادوا من سوريا؟
فجّر مؤخرا رفيق الشلي كاتب الدولة لدى وزارة الداخلية التونسية تصريحا مدويا أعلن فيه عن استمرار عودة مقاتلين تونسيين إلى البلاد بعد التحاقهم بصفوف التنظيم الارهابي داعش في سوريا والعراق، والذي قدر عددهم وفق معطيات رصدتها وزارة الداخلية بـ500 مقاتل. مذكرا أنه سبق الإعلان عن منع عشرة آلاف تونسي من السفر إلى سوريا والعراق للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية تحت ما يسمى الجهاد..
وفي هذا الصدد ارتأت «أخبار الجمهورية» الاتصال بمجموعة من المختصين للحديث عن المخاطر التي تشكلها عودة هؤلاء المقاتلين على أمن المواطن والدولة وكذلك السبل الكفيلة للتعامل مع هذه الفئة..
وزير الداخلية: ملف الإرهابيين العائدين
من سوريا يصنّف ضمن أخطر الملفات
أكد وزير الداخلية التونسي ناجم الغرسلي أن محاربة الإرهاب وبسط الأمن بين التونسيين في مقدمة أولويات عمل وزارته مشيرا في الوقت ذاته إلى أن ملف الإرهابيين العائدين من سوريا هو من أخطر الملفات.
كما لفت الغرسلي إلى أنه لا يمكن تقديم تفاصيل أكثر عن طريقة التعامل مع هذا الملف باعتبار صبغته الأمنية، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية تتابع هذا الملف بكل دقة واتخذت كل إجراءات المتابعة والمراقبة والإحالة إلى القضاء عند الضرورة للاتقاء من هذا الخطر الذي لا يتهدد تونس فحسب.
وأكد أن الإجراءات الأمنية الوقائية متواصلة مادامت التهديدات قائمة قائلا إن الوضع الأمني يشهد تحسنا ملحوظا ويتطلب الاستمرار في اليقظة لينعم التونسيون بالأمن في حياتهم وتنقلاتهم .
وابرزَ الغرسلي انه سيتم العمل على مزيد تحسين الوضع الأمني خاصة وان تونس تستعد لاستقبال موسم سياحي جديد.
منذر الشارني: مكافحة الإرهاب لا تعني أبدا مكافحة حقوق الإنسان
اعتبر عضو الهيئة العليا لحقوق الإنسان منذر الشارني أن عودة هؤلاء المقاتلين هي بمثابة خطر أمني وعسكري على الدولة وعلى المجتمع ، مشيرا الى أن القانون التونسي قنّن العديد من الإجراءات الوقائية والاستباقية المعمول بها في ما يخص موضوع الإرهاب ومكافحته وذلك من خلال مراقبتهم ووضعهم تحت المجهر عبر ترصد شبكة اتصالاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وكذلك جميع تحويلاتهم البنكية في الخارج ـ إن وجدت ـ إلى جانب متابعة نفقاتهم المالية بما في ذلك من أهمية في موضوع مكافحة الإرهاب والقضاء عليه.
كما ذكر الشارني وجود نصوص قانونية في إطار مكافحة الإرهاب تسمح بالتنصّت على المكالمات الهاتفية لهؤلاء الأشخاص على أن يتم ذلك تحت إشراف سلطة القضاء والبرلمان واللجنة الأمنية المختصة وكذلك في إطار تقيّد هذه القوانين بمسألة حقوق الإنسان والحريات.
كما تحدث عضو الهيئة عن أهمية الوقاية الأمنية الإدارية مع احترام مبدأ الشرعية وذلك بأن تكون تلك المجموعة محل متابعة إدارية باعتبارهم يشكلون خطرا كبيرا على الأمن العام، مشددا على ضرورة بناء منظومة كاملة للإجراءات الوقائية وتقنينها في ما يخص هذه المراقبة وكذلك قرارات تحجير السفر ومغادرة التراب التونسي إضافة إلى إجراءات أخرى تتعلق بتتبع النفقات المالية.
وفي سياق آخر شدد محدثنا على ضرورة الإسراع في سن قانون مكافحة الإرهاب بالاستشارة مع الشخصيات الحقوقية الذين يشهد لهم بالخبرة والكفاءة في هذا المجال، معتبرا أن الإرهابيين هم أعداء لحقوق الإنسان ولا يؤمنون بحق الحياة والأمن ولا يعترفون بالأفراد والدولة وفق تعبيره.
وأشار الشارني في المقابل إلى أن الحرب على الإرهاب لا تعني أبدا الحرب على حقوق الإنسان قائلا انه يجب على الدولة عدم تتبع ممارسات تلك الفئة الإرهابية في ما يخص خرقهم لأعراف القوانين والبشاعة التي يعتمدونها، موضحا بأنه يجب مقاومة هذه الظاهرة بحزم وبكرامة من خلال محاكمة عادلة يسلط فيها الجزاء والعقاب بقدر خطورة الجريمة التي اقترفت وباعتبار حق ضحايا الارهاب ودون ممارسة أي نوع كان من التعذيب..
نصر بن سلطانة: لا بدّ من مواصلة العمليات الأمنية الاستباقية
كان للجامعي والباحث في سياسات الدفاع والأمن الشامل نصر بن سلطان رأي أيضا في هذا الموضوع حيث أكد أن العدد الذي تم الإعلان عنه مؤخرا من طرف رفيق الشلي يفسر بطريقة واضحة أن عدد العائدين إلى تونس من المتدفقين من تلك الفئات المقاتلة مازال مستمرا وسيكون بإعداد غفيرة هذا بالإضافة إلى حجم الخلايا النائمة الموجودة في تونس من الذين يتبنون ذات الفكر المتطرف والإرهابي وهو ما سيشكل خطرا على تونس وشعبها.
كما نادى بن سلطانة بضرورة مواصلة العمليات الأمنية الاستباقية والتي سجلت نجاحا هاما في المدة الأخيرة حيث أحبط عديد المخططات الإرهابية التي كانت بعض الخلايا النائمة تعزم على تنفيذها في حق بعض المناطق الحساسة في البلاد، مشيرا إلى أن التعامل مع المجموعة القتالية العائدة إلى تونس يجب أن يتم في إطار نظرة شاملة في مختلف المسائل المرتبطة بظاهرة الإرهاب على المستوى الوطني والإقليمي وكذلك عبر معالجة قضائية وأمنية على مختلف المستويات الدينية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن ناحية أخرى اعتبر الباحث أن سياسات مكافحة الإرهاب يجب أن تكون على ثلاثة مستويات قريبة ومتوسطة وبعيدة، القريبة تتجسد من خلال الإجراءات الأمنية والقضائية، والمتوسطة تتمثل في المعالجة الدينية والاجتماعية، وأما المستوى البعيد فيتمّ من خلال إعادة النظر في عديد المسائل الاقتصادية والاجتماعية وتسليط الضوء على المناطق الحدودية في الوسط والجنوب الغربيين وكذلك المناطق المهمشة عبر تمكينهم من حقهم ونصيبهم في التنمية لكي لا يكونوا بيئة حاضنة للإرهاب.
مختار بن نصر: يجب وضعهم جميعا تحت المراقبة الأمنية والإدارية
أما العميد المتقاعد والخبير الأمني مختار بن نصر فقد عبّر هو أيضا على حجم الخطر الكبير الذي ستشكله عودة مقاتلي داعش على أمن المواطنين والدولة، قائلا بأنه لا مجال لتناسي أن هؤلاء المجموعات كانوا يمارسون الإرهاب والعمليات القتالية والدموية ويمسكون بالسلاح قبل رجوعهم إلى تونس لذلك فإحالتهم جميعا على القضاء هي من ضمن الإجراءات الناجعة التي يجب إتباعها إزاءهم خاصة وانه تم مؤخرا إحالة 300 منهم على القضاء وفق وزارة الداخلية حيث وضعوا تحت مراقبة أمنية وإدارية .
وشدد بن نصر على ضرورة تفطّن الدولة دائما إلى هذه المجموعة مع وجوب تدخّل المواطنين لمساعدة وزارة الداخلية وذلك عبر الإبلاغ الفوري على أي شخص يشتبه بانتمائه لتنظيم إرهابي أو تحوم حوله شبهات إرهاب وذلك عبر الأرقام الخضراء التي وضعتها الداخلية على ذمتهم لتمكينهم من الاتصال المباشر والسريع مع المختصين .
صلاح الدين الجورشي: يجب تحليل الدوافع الحقيقية لعودة هؤلاء إلى تونس
من جهته شدّد صلاح الدين الجورشي المحلل السياسي والخبير في الجماعات الإسلامية على وجوب الاطلاع على الدوافع المؤدية بهؤلاء المقاتلين للسفر إلى ما يسمى بالجهاد والانضمام إلى صفوف تنظيم داعش، وكذلك معرفة الأسباب الحقيقية والعميقة لقرار عودتهم إلى تونس بعد تجربة قتالية ودموية ، مشيرا بان ذلك لا يتم إلا عبر الاستماع إلى أقوالهم وتحليلها.
ومن ناحية أخرى أشار الجورشي الى أنه يجب توخي الحيطة اللازمة والأخذ بعين الاعتبار الشبهة الإرهابية العالقة بالمقاتلين العائدين من تنظيم داعش بما تشكله من خطر يتهدد أمن المواطن والوطن، مع ترجيح فرضية أن هناك عددا منهم جاء لتقديم سند للخلايا الإرهابية النائمة في تونس ـ كتنظيم أنصار الشريعة ـ وذلك عبر النشاط فيها وتعزيز صفوفها باعتبار أنهم يتقاسمون معها ذات الأفكار المتطرفة وهناك من تربطه علاقات وصداقات بعناصر التنظيم المذكور وفق تعبيره.
يسري الدالي: ضرورة تشكيل قطب يضم عدة أخصائيين لإعادة تأهيلهم وإدماجهم
وبدوره اعتبر الدكتور النفسي والخبير الأمني يسري الدالي أن اعتماد منظومة إدماج وتأهيل لهؤلاء الأشخاص في المجتمع التونسي هي الحل الأنسب بعد انخراطهم في منظومة قتال وتعودهم على مشاهد الدماء والدمار، لكن في المقابل أشار إلى وجوب توخي الحذر وذلك لترجيح إمكانية تخطيط هؤلاء المقاتلين وعزمهم على إعادة تلك التجربة الإرهابية في تونس.
من ناحية أخرى عبر الدالي عن رفضه القاطع للإجراءات الأمنية وحدها معتبرا بان التأهيل النفسي والاجتماعي وعدم اعتبار هؤلاء الأشخاص كمجرمين سيساهم كثيرا في تخطي عتبات الفكر الإرهابي لهم والتحوّل به إلى فكر مواطن سويّ ينبذ العنف والتطرف لأنهم في الأخير مواطنون تونسيون قبل كل شيء.
وأضاف الدكتور بأنه يتحتم على الدولة التونسية أن تأخذ على عاتقها مسؤولية توفير مواطن شغل لهؤلاء وتمكينهم من فضاءات وجمعيات تسمح لهم بالحديث عن تجاربهم الخاصة في تنظيم داعش حتى لا يقعوا في فخ الإرهاب مجددا ويتجاوزوه وينجحوا في تحويل العدوانية إلى عمل جمعياتي يفيد البلاد، مشددا على أهمية تشكيل قطب كامل يضم العديد من الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وكذلك من رجال الأمن و ورجال الأعمال للتمكن من إعادة إدماج هذه الفئة العائدة إلى تونس بعد تجربة مريرة ودموية.
منارة التليجاني